افتُتحت صباح السبت 5 يوليو أعمال المنتدى الفرنكوفوني الأول لحوكمة الرقمنة والذكاء الاصطناعي في مدينة جنيف، بمشاركة وزراء وخبراء وأكاديميين وممثلين عن المجتمع المدني، في خطوة تعكس رغبة الدول الناطقة بالفرنسية في صياغة رؤية مشتركة لعالم رقمي أكثر شمولًا وعدالة.
وتُعد الفرنكوفونية، التي تضم أكثر من 80 دولة ومنطقة تشترك في استخدام اللغة الفرنسية أو تربطها بها علاقات ثقافية وتاريخية، إطارًا للتعاون السياسي والثقافي والاقتصادي بين هذه الدول، عبر المنظمة الدولية للفرنكوفونية التي تأسست عام 1970.
منذ الجلسات الأولى، برزت رسالة واضحة وحاسمة: “الفرنكوفونية عازمة على أن تكون لاعبًا فاعلًا في النقاشات الدولية حول الذكاء الاصطناعي، البيانات، والإدماج الرقمي”. وفي هذا السياق، أكدت كارولين سانت-هيلير، المديرة العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية، قائلة: “ما لا ندافع عنه بأنفسنا، لن يقوم الآخرون بصياغته نيابة عنا”، داعية إلى تعبئة جماعية منسقة للدفاع عن مصالح الدول الفرنكوفونية.
النقاشات التي شهدها المنتدى سلطت الضوء على معضلة رئيسية تتمثل في إيجاد التوازن بين الابتكار والتنظيم، وبين السيادة الرقمية والانفتاح على العالم. وأشار المبعوث الخاص للأمم المتحدة لشؤون التكنولوجيا، أمانديب سينغ غيل، إلى أهمية تبني حوكمة رقمية شاملة تضع الصالح العام وفهم البيانات الدقيقة في صميم أولوياتها.
بدورها، شددت وزيرة الشؤون الخارجية الغينية، روز بولا بريسمو، على ضرورة دعم ابتكارات محلية مستدامة، محذّرة من تحول الذكاء الاصطناعي إلى “امتياز يحظى به الأقوياء فقط”. وأكدت على أن المواهب الشابة في إفريقيا تواصل الابتكار، رغم بقائها في كثير من الأحيان خارج دائرة الاهتمام الدولي.
وفي مداخلة لافتة، قدم العالِم الفرنسي لوك جوليا، المشارك في تطوير المساعد الصوتي “سيري”، قراءة نقدية لتوجهات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مشيرًا إلى أن هذه التقنيات غالبًا ما تفتقر إلى الدقة عندما تكون عامة وغير متخصصة، لكنها تكتسب قوة كبيرة إذا طُورت بشكل سياقي ومتجذر ثقافيًا. وقال: “بدلًا من محاولة بحث سبل القضاء على الانحياز غير المتوازن في توزيع المعرفة دوليا، يجب الاعتراف بهذا الواقع والعمل على تطوير ذكاء اصطناعي فرنكوفوني، إفريقي وأوروبي”.
ويستمر المنتدى حتى يوم الأحد، حيث يناقش ثلاثة محاور رئيسية هي: الإدماج الرقمي، وسيادة البيانات، وتعزيز حضور المحتوى الثقافي واللغوي الفرنكوفوني في الفضاء الرقمي. وتحت خيمة نُصبت خصيصًا لهذا الحدث على ضفاف بحيرة جنيف، تتبلور ملامح جبهة موحدة تسعى إلى بناء فضاء رقمي عالمي أكثر عدالة وتنوعًا، يعكس الهويات التي يتشكل منها.
ويأتي هذا المنتدى كحدث مستقل لكنه يُعد بمثابة خطوة تمهيدية تسبق القمة العالمية للذكاء الاصطناعي “AI for Good”، التي تنظمها الأمم المتحدة في جنيف الأسبوع المقبل. وبينما تركز القمة على الابتكارات التقنية والحوكمة العالمية الشاملة، يهدف المنتدى الفرنكوفوني إلى تمكين دوله الأعضاء من صياغة مواقف موحدة حول تحديات الرقمنة والذكاء الاصطناعي، استعدادًا للنقاشات الأوسع في الفضاء الدولي.