البرنامج النووي الإيراني بلا رقابة: طهران تصعّد و واشنطن والمجتمع الدولي ملزمان بالردّ

1000164682

تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليس مجرد إجراء تقني أو قانوني، بل يمثّل نقطة تحوّل استراتيجي تعيد فتح ملف البرنامج النووي الإيراني على مصراعيه، وتُدخل المنطقة والعالم في مرحلة من الغموض النووي، هي الأخطر منذ أكثر من عقود.

ففي 2 يوليو 2025، أعلنت طهران رسميًا تعليق تعاونها مع الوكالة، بعد توقيع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، على قانون يفرض قيودًا شاملة على دخول المفتّشين الدوليين إلى المنشآت النووية، ويعلّق تشغيل أنظمة المراقبة، ويربط أي عودة للتعاون بالحصول على “ضمانات أمنية” لحماية العلماء والمواقع النووية. وبرّرت إيران هذه الخطوة بالقول إنها جاءت ردًّا على هجمات إسرائيلية وأمريكية استهدفت منشآت نووية حسّاسة، أبرزها مفاعل “فوردو”، الذي أكدت مصادر رسمية إيرانية أنه “تعرض لأضرار جسيمة”.

تحدّي “الأمن مقابل الشفافيّة”

لكن في عمق هذا القرار، يكمن تحوّل أكبر: لم تعد إيران ترفض فكرة الرقابة الدولية كشرط مسبق للتفاوض فحسب، بل باتت تستخدم تعليقها كورقة ضغط استراتيجية، لتُرغم المجتمع الدولي على التعامل معها بشروط جديدة، عنوانها “الأمن مقابل الشفافيّة”. وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني، عباس عرقجي، حين قال: “لن ندخل مفاوضات جديدة ما لم نتأكّد من أنّ أمن علمائنا ومنشآتنا مضمون بشكل كامل”.

هذا الموقف أعاد عرقجي تأكيده ردًّا على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامش قمّة حلف شمال الأطلسي في هولندا عن استئناف المفاوضات مع إيران حول البرنامج النووي “الأسبوع المقبل”، إذ قال لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ “لا خطّة” لاستئناف هذه المفاوضات، وإنّ إيران “تقيّم ما إذا كانت هذه المفاوضات تصبّ في مصلحتها بعد خمس جولات سابقة.”

وكانت الولايات المتحدة قد اعتبرت تصرفّ إيران “غير مقبول”، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس إنّ “على إيران الإلتزام باتفاقيات الضمانات المنصوص عليها في معاهدة حظر الإنتشار النووي”، في حين قال البنتاغون إنّ “الضربات الأمريكية أعادت البرنامج النووي الإيراني سنتين إلى الوراء.”

أمّا إسرائيل، فسارعت إلى التحذير من أن إيران “تخلّت فعليًّا عن التزاماتها”، ودعت الدول الأوروبية إلى إعادة فرض العقوبات عبر تفعيل آلية “سناب – باك”، وحثّت على لسان وزير خارجيتها جدعون ساعر المجتمع الدولي إلى “التحرك بحزم لوقف النشاط النووي الإيراني”.

في حين أعربت الأمم المتحدة عن “قلق أكيد”، وتخوّفت دول مجموعة السبع من “التهديد لمصداقية منظومة عدم الانتشار النووي”، وحذّرت كلّ من المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة من “تعريض المنطقة لما لا تُحمد عقباه، يبدو أن طهران لا تأبه كثيرا للتهديدات، إذ تركّز على سرديّتها وترفع منسوب خطاب التحدّي، الذي ربّما قد يصل إلى حدّ تغيير عقيدتها النووية في حال لم تحصل على مطالبها.

وفي هذا السياق، يبدو أنّ إيران تحصر صراعها مع إسرائيل والولايات المتحدة، وأن أولويّتها باتت تتمثّل بضمان عدم توجيه ضربة أخرى لمنشآتها، وتثبيت الأمن، في حين يظهر الاقتصاد كمسألة لاحقة يمكنها الإنتظار.

عواقب أبعد من إيران

وفي المقابل فإنّ انسحاب إيران من برنامج الرقابة الدولية على المنشآت النووية يشكّل خرقًا خطيرًا لأهمّ اتفاقيّة دولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، والتي أقرّت في العام 1968 ووقعّت عليها 186 دولة. وإقفال أبوابها أمام مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعني طرد الجهة المولجة رسميًّا مهمّة الإشراف على تطبيق المعاهدة وبروتوكولاتها الملحقة. وإذا كانت إيران تسعى من خلال هذه الخطوة إلى حماية نفسها ومنشآتها من القصف الأمريكي أو تحسين موقفها في المفاوضات، فأنّها ستحصد ربّما نتائج عكسيّة، وتستجلب ذريعة لتكرار مهاجمتها عسكريًّا. فالولايات المتحدة ومعها إسرائيل تبدو ملزمة بالتعامل مع تحدّي إيران الجديد برفض استئناف المفاوضات الذي أعلنه ترامب. والمجتمع الدولي يبدو ملزمًا كذلك باتخاذ إجراءات لا سقف لها لحماية المعاهدة الدوليّة وإلاّ فإنّ الأمن النووي العالمي يصبح في خطر فعلي، مع احتمال أن تحذو دول أخرى حذو إيران، من داخل المعاهدة أو من خارجها.

سيناريوهات الردّ

على الأرض، يعيد هذا التصعيد فتح الباب أمام عدة سيناريوهات، أحدها احتمال تنفيذ ضربات عسكرية استباقية، سواء من إسرائيل أو من أطراف أخرى، بخاصّة في حال توفّرت معلومات استخباراتية تشير إلى تسريع تخصيب اليورانيوم أو نقل أنشطة نووية إلى مواقع غير معلنة. ومع غياب الرقابة، تتحول التقديرات إلى احتمالات، والاحتمالات إلى قرارات قد تحمل في طيّاتها شرارة نزاع مسلّح واسع النطاق.

ما بعد 2 يوليو 2025 لن يكون كما قبله. فالبرنامج النووي الإيراني دخل فعليًّا مرحلة الغموض، والمنطقة والعالم دخلا رسميًّا مرحلة إعادة الحسابات والإستعداد لأخطر السيناريوهات إذا ما فشلت الدبلوماسية مرّة أخرى.

Scroll to Top