بين العسكرة والعدالة الاجتماعية: إسبانيا تُفجّر الخلاف داخل الناتو

1000163288

برزت إسبانيا كصاحبة الموقف الأوضح والأكثر تحديًا في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي انعقدت في لاهاي، بعد أن رفضت بشكل قاطع المقترح الأميركي بزيادة الإنفاق العسكري إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، وهو ما أثار انتقادات حادة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

واعتبرت الحكومة الإسبانية أن هذا الرقم “غير معقول” و”مبالغ فيه”، مؤكدة أن الأولوية ليست في رفع الأرقام بل في تحسين فعالية وكفاءة الإنفاق الدفاعي. وتشير مدريد إلى أن إنفاق 2.1٪ من الناتج المحلي يكفي للوفاء بالتزاماتها تجاه الحلف، بينما يعتقد أمين عام الناتو مارك روته أن النسبة المناسبة لإسبانيا هي 3.5٪، وقد تم الاتفاق على مراجعة الموقف الإسباني في عام 2029.

لكن موقف إسبانيا أثار رد فعل غاضب من الرئيس الأميركي، الذي هاجم مدريد بشكل مباشر. وقال ترامب من على متن الطائرة الرئاسية أثناء توجهه إلى لاهاي: “هناك مشكلة مع إسبانيا. إسبانيا لا توافق، وهذا غير عادل تمامًا لبقية الدول، بصراحة.”

وبعد ذلك بساعات، صعّد ترامب من لهجته في منشور على منصته “تروث سوشال”، حيث شارك مقالًا صحفيًا بعنوان “إسبانيا تهدد بإفشال قمة الناتو”، مرفقًا برسم بياني يضع إسبانيا في أدنى ترتيب بين دول الحلف من حيث الإنفاق العسكري، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تنفق ما يقرب من تريليون دولار سنويا على ميزانية الدفاع.

في المقابل، ردت مصادر من الحكومة الإسبانية بحدة على هجوم ترامب، قائلة: “بالطبع نحن مشكلة بالنسبة لترامب، لأننا الوحيدون الذين نقول إن الإمبراطور عاريا. كثيرون في الحلف يشاركوننا الرأي، لكنهم يفضلون الصمت، أما نحن فنقولها بوضوح: هذا الإنفاق المطلوب عبثي ولا يمكن فرضه.”

ورغم التأييد المحدود الذي حصلت عليه إسبانيا من بلجيكا وسلوفاكيا، وجدت مدريد نفسها شبه معزولة في موقفها، خصوصًا أن دولًا مثل إيطاليا، رغم ديونها المرتفعة، التزمت أيضًا بهدف 5٪. وترى الحكومة الإسبانية أن دولًا كفرنسا وألمانيا تؤيد هذه الزيادة أساسًا لدعم صناعاتها الدفاعية، وليس فقط لمواجهة التهديد الروسي.

وبينما تحاول قيادة الحلف الحفاظ على وحدة الصف، وهو ما وصفه رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف بـ”السلاح الأقوى للناتو”، فإن الموقف الإسباني خلق شرخًا واضحًا داخل القمة. وقد حذر وزير الدفاع البولندي من أن “الاستثناءات تضر بوحدة الحلف”، في إشارة مباشرة إلى مدريد.

مع ذلك، تبقى إسبانيا متمسكة بموقفها، رافضة الخضوع للضغوط الأميركية، ومشددة على أن مراجعة التزاماتها ستتم في عام 2029، على أمل أن يكون ترامب حينها قد غادر البيت الأبيض إذا ما تم احترام الدستور الأميركي.

وفي خضم هذا التوتر، تظل مدريد مصرة على أن الأهم ليس حجم الإنفاق، بل كيفية إنفاقه: بشكل منسق، مبتكر، وفعّال.

Scroll to Top