نواف نعمان: الوصول الإنساني ليس قضية لوجستية، بل ضرورة حقوقية وأخلاقية

شدد السيد نواف نعمان، نائب رئيس مرصد جنيف الجيوستراتيجي، على أن قضايا المساعدات الإنسانية وحماية العاملين في المجال الإنساني لم تعد مسائل فنية أو لوجستية فقط، بل أصبحت قضية حقوق إنسان وأولوية أخلاقية وقانونية يجب أن يتعامل معها المجتمع الدولي بكل جدية. جاء ذلك في كلمته خلال ترؤسه لفعالية جانبية رفيعة المستوى عقدت في مقر الأمم المتحدة في جنيف.

جاءت مداخلة نعمان خلال أدارته للحوار في الفعالية التي نظمها الوفد الدائم لدولة الكويت لدى الأمم المتحدة في جنيف، وحملت عنوان المساعدات الإنسانية وحماية العاملين: ركيزة في تعزيز حقوق الإنسان في النزاعات، والتي عُقدت على هامش الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بمشاركة مجموعة من أبرز الخبراء الدوليين ومسؤولي الأمم المتحدة.

حين تُمنع المساعدات… المجتمع ينهار

وقال نعمان في كلمته الافتتاحية “نجتمع اليوم في لحظة حرجة. هناك أكثر من 120 نزاعًا مسلحًا نشطًا في أكثر من 60 دولة، وكلّها تُفرز ليس فقط الدمار والتشريد، بل تؤدي إلى تآكل ممنهج للكرامة الإنسانية، وأكد على أن منع وصول قوافل الإغاثة واستهداف العاملين في المجال الإنساني ليست وقائع معزولة، بل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وتعدٍّ مباشر على حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة والصحة، والغذاء والمياه والتعليم.

وحذّر من أن تقليص مساحة العمل الإنساني في زمن الأزمات يعد “كارثة مزدوجة”، مضيفًا بأنه حين تُستهدف قوافل الإغاثة، من يدفع الثمن هم المدنيون: جوع، مرض، فقر، وفقدان الأمل.”

تحذيرات أممية من تجويع المدنيين في غزة

في كلمة مسجلة عرضت خلال الاجتماع الذي حضره سفراء ومندوبي عدد كبير من الدول المشاركة في أعمال مجلس حقوق الإنسان، حذر الدكتور مايكل فخري، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، من الاستخدام المتعمد للتجويع كسلاح حرب في غزة، مشيرًا إلى أن تدمير أنظمة الغذاء والمياه والبنية التحتية يمثل استراتيجية متعمدة لتهجير وإضعاف السكان المدنيين.

وانتقد الدكتور فخري فشل مجلس الأمن في تنفيذ قراره 2417 (2018) الذي يصنف التجويع كجريمة حرب، داعيًا إلى إرسال قوات حفظ سلام لمرافقة قوافل المساعدات إلى المناطق المحاصرة.

أرقام صادمة عن الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية

من جهته، صرّح فرانشيسكو موتا، رئيس قسم آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، أنه لا يوجد مستشفى في غزة يعمل بكامل طاقته، محذرًا من أن مليون شخص مهددون بانعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما يواجه نحو نصف مليون خطر المجاعة بحلول سبتمبر المقبل.

وأضاف أن عام 2024 شهد مقتل 377 عاملًا إنسانيًا حول العالم، من بينهم 168 موظفًا أمميًا، وهو أعلى رقم يُسجل في تاريخ الأمم المتحدة.

هجمات متزايدة على قطاع الصحة

في السياق ذاته، كشف الطاف موساني، مدير إدارة الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية، أن المنظمة سجلت أكثر من 8,630 هجومًا على المرافق والعاملين الصحيين منذ عام 2018، أدت إلى مقتل أكثر من 4,000 شخص وإصابة 6,000 آخرين.

وأشار إلى أن عام 2025 سجّل رقمًا قياسيًا من الهجمات، خصوصًا في غزة والضفة الغربية، إضافة إلى السودان وإيران وإسرائيل.

دعوات لتفعيل القانون الدولي ومكافحة التمييز

من جانبه، شدد البروفيسور ماركو ساسولي، من جامعة جنيف، على أن حرمان المدنيين من المساعدات لأسباب تمييزية يمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، مطالبًا الدول الأعضاء بتفعيل قرار مجلس الأمن 2730 (2023) لحماية العاملين في المجال الإنساني.

أما السيد باتريك دوبلا، مستشار الوصول الإنساني في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فقد أشار إلى العقبات الميدانية التي تواجه العاملين الإنسانيين، مؤكدًا أن الوصول الآمن والمستقل للمساعدات يجب أن يكون أولوية دولية ملحة.

دعوة إلى التزام دولي حقيقي

في كلمته الختامية، قال نعمان إن ما تم طرحه خلال الجلسة يؤكد أن فشل المجتمع الدولي في حماية العمل الإنساني لا يعكس فقط عجزًا سياسيًا، بل إخفاقًا قانونيًا وأخلاقياً، مضيفا بأن “الوصول الإنساني ليس ترفًا ولا عملية إدارية، بل ضرورة حقوقية وإنسانية. الحلول موجودة: عبر تقوية الأطر القانونية، وزيادة المحاسبة، وتجديد التركيز على كرامة الإنسان.”

Scroll to Top