هل يصمد التحالف الاقتصادي الخليجي الأمريكي :تحت وطأة التصعيد مع إيران؟

تشهد المنطقة تبادلاً خطيرًا للتهديدات بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، في ظل تصاعد وتيرة الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، فقد هدّدت طهران باستهداف المنشآت النفطية الخليجية الحيويّة إذا ما استُخدمت أراضي أو أجواء دول الخليج في أي عمل عسكري ضدَّها، كما توعّدت بردود “موجعة” على التصعيد الإسرائيلي المتواصل ضد مواقعها ومناطق أخرى.

من جانبها، كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية والصاروخية ضد البنية التحتية الإيرانية بدعم ضمني أمريكي، بينما أكدت واشنطن استعدادها لاتخاذ خطوات “حاسمة” لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وقامت واشنطن بالتواصل مع دول الخليج لمعرفة موقفها من توفير دعم لوجستي لقواتها، في حال قيام أي تحرك عسكري محتمل في الخليج العربي.

وهنا بات التحالف الاقتصادي بين واشنطن والدول الخليجية أمام اختبار حقيقي. فاستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي اعتمدت على الاستثمارات الخليجية كركيزة أساسية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي من بوابات الذكاء الاصطناعي ومشاريع الطاقة، تواجه اليوم خطر الانهيار وسط مؤشّرات على انزلاق المنطقة نحو صراع مفتوح مع طهران.

فعلى مدى العام الماضي، حصلت إدارة ترامب على وعود من السعودية والإمارات وقطر بضخّ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، دعمًا لسياسة “أمريكا أولاً”. لكنّ هذه الوعود تبدو اليوم معلّقة، وربما مهدّدة بالتبخر، مع تنامي المخاوف الخليجية من تداعيات أيّ تصعيد عسكري واسع، قد يهدد اقتصادياتها.

خليج متوتّر… واستثمارات على المحك

أعربت العواصم الخليجية عن استنكارها لقيام إسرائيل بشن حربها هذه، وأبلغت واشنطن، عبر قنوات دبلوماسية رسمية وخاصة، أنها ترفض الانجرار إلى حرب شاملة ضد إيران. هذا الرفض لا يعكس بالضرورة تعاطفًا مع طهران، بل نابع من إدراك عميق للمخاطر التي قد تترتّب على أمنها الداخلي والاقتصادي، فالمنشآت النفطية الخليجية، التي تعرّضت سابقًا لهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ، قد تصبح أهدافًا أولى في حال اندلاع مواجهة مباشرة، ما سيعطّل صادرات الطاقة ويقوّض استقرار الأسواق العالمية.

وزادت المخاوف بعد تهديدات صريحة أطلقها مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، توعّدوا فيها باستهداف البنية التحتية النفطية في الخليج إذا ما استخدمت أراضي هذه الدول أو مجالها الجوي في أيّ عمليات عسكرية ضد إيران. هذه التصريحات اعتُبرت في الخليج بمثابة رسائل تحذير واضحة، بخاصة في ظلّ تصعيد عسكري إسرائيلي ضد مواقع إيرانية وردود متوعدة من طهران بـ”ردود مؤلمة”.

أمن الخليج بين مطرقة الحرب وسندان الاقتصاد

وبينما تنهال الصواريخ على إسرائيل وتتعالى أدخنة الانفجارات في إيران، ترى دول الخليج في هذه التطوّرات تهديدًا مزدوجًا لأمنها: مادّيًّا ووجوديًّا، واقتصاديًّا على المدى الطويل. فدول المنطقة، المعتمدة على صادرات الطاقة كمصدر رئيسي للإيرادات، تخشى أن يؤدّي انزلاق الأوضاع إلى ما لا يحمد عقباه، ومن هنا، تتزايد الشكوك إزاء قدرة إدارة ترامب على ضبط الإيقاع ومنع التصعيد، ممّا يضع الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة تحت مراجعة استراتيجية.

في العمق، تنظر بعض العواصم الخليجية إلى إيران، رغم كل هذه التوتّرات، كعامل توازن في مواجهة النفوذ التركي المتنامي في مناطق مثل سوريا، وليبيا، وحتى في البحر الأحمر. إنّ انهيار إيران عسكريًّا قد يفتح المجال أمام تمدّد تركي غير مرغوب فيه، ما يدفع دول الخليج إلى تفضيل استمرار الوضع القائم على الانخراط في مغامرة عسكرية مكلفة وغير مضمونة النتائج.

الإدارة الأمريكية في مأزق ثلاثي الأبعاد

البيت الأبيض يواجه اليوم معضلة استراتيجية معقّدة: فالدعم المطلق لإسرائيل قد يؤدي إلى توتّر علاقته مع الحلفاء الخليجيين، فيما قد يُنظر إلى أيّ تراجع أمام طهران كدليل ضعف أمام القاعدة الجمهورية المؤيّدة لإسرائيل. أما استمرار الرهان على الأموال الخليجية، فهو مرهون بإثبات قدرة واشنطن على حماية أمن المنطقة، دون الزجّ بها في صراعات وجودية.

وإذا ما قرّرت الدول الخليجية تقليص استثماراتها أو توجيهها نحو شركاء جدد مثل الصين أو الهند، فإنّ الخسارة الأمريكية ستكون مزدوجة: تراجع اقتصادي وفقدان نفوذ استراتيجي طويل الأمد في الشرق الأوسط.

ولذلك يبدو أن المواجهة مع إيران لم تعد مجرّد قضية أمنية، بل تحوّلت إلى اختبار مركزي لأولويات السياسة الخارجية الأمريكية. فالرئيس ترامب يقف عند مثلّث استراتيجي لا مركز له: دعم إسرائيل، وتجنّب المواجهة المباشرة مع إيران، وجذب التمويل الخليجي. أي خطأ في الحسابات قد يفجّر هذا التوازن الدقيق، ويعيد تشكيل تحالفات المنطقة لعقود قادمة.

Scroll to Top