مجلس حقوق الإنسان في جنيف: فلسطين والعدالة الدولية في قلب الدورة 59

ONU KOWEIT

في سياق دولي يتّسم باستمرار النزاعات، وتصاعد التشكيك في التعدّديّة، والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، تنعقد الدورة التاسعة والخمسون العاديّة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في الفترة من 16 يونيو إلى 9 يوليو 2025. وتكتسي هذه الدورة أهمّية خاصة، في وقت تبدو فيه المبادئ الأساسية للقانون الدولي والإنساني مهدّدة بشكل متزايد.

على مدى قرابة شهر، سيتناول المجلس أوضاع حقوق الإنسان في أكثر من أربعين دولة، من خلال 32 نقاشًا تفاعليًّا، ومراجعة أكثر من ستّين تقريرًا. وتُعدّ هذه الدورة من بين أكثر الدورات كثافة، في ظل ما يشهده عدد من مناطق العالم من انتهاكات منهجية وواسعة النطاق للحقوق الأساسية، غالبًا في ظلّ إفلات تامّ من العقاب.

ومن المتوقع أن يقدم المفوض السامي، فولكر تورك، عرضًا شاملًا عن حالة حقوق الإنسان في العالم، وهو خطاب مرتقب في مناخ يسوده التوتّر المتصاعد. وفي اليوم عينه، ستُجرى مناقشات خاصة حول الأوضاع في أفغانستان، وإريتريا، وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ما يعكس حجم التحديات المتعلّقة بحماية المدنيّين وتحقيق المساءلة.

وحتى الآن، لا توجد دلائل على أن النزاع العسكري الحالي بين إيران وإسرائيل (الهجمات الإسرائيلية على منشآت نووية إيرانية ورد إيران بصواريخ باليستية) قد تمّ تضمينه كجزء مستقلّ في جدول أعمال الدورة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان، ولكن من المتوقع أن يفرض هذا النزاع أمره على أعمال هذه الدورة بصورة أو بأخرى.

الأراضي الفلسطينية المحتلّة

كما ستُسلَّط الأضواء على حالة الأراضي الفلسطينية المحتلّة، التي تمرّ بأزمة إنسانية وسياسية عميقة، حيث سيتم تقديم تقرير لجنة التحقيق بشأن إسرائيل والأراضي المحتلّة. وسيُعاد تناول هذا الموضوع في الثالث من يوليو، خلال حوار مع المقرّرة الخاصة.

وفي هذا الإطار، سيولي المجلس اهتمامًا خاصًا بالانتهاكات المستمرة التي يتعرّض لها السكان الفلسطينيون في الأراضي المحتلّة، بما في ذلك غزّة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وستُناقش السياسات التوسعية للاستيطان، واستخدام القوة المفرطة، وعمليات التهجير القسري، والعقوبات الجماعية، باعتبارها تشكل خروقات جسيمة للقانون الدولي. كما سيتمّ الاستماع إلى إفادات من منظمات حقوقية فلسطينية ودولية، وستُطرح توصيات لتعزيز المساءلة، وضمان حماية المدنيّين، ووقف الإفلات من العقاب. وتأتي هذه المناقشات في وقت يشهد فيه الإقليم تصعيدًا غير مسبوق في العنف، ما يجعل من ضرورة التحرك الدولي العاجل أمرًا لا يحتمل التأجيل.

إنتهاكات أخرى

وتشمل الدورة أيضًا مناقشات بالغة الأهمية حول السودان، وسوريا، وفنزويلا، ونيكاراغوا، وميانمار، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وبيلاروسيا، وبوروندي، وهي دول تشهد انتهاكات جسيمة تستوجب رقابة دائمة.

وستُركّز الدورة كذلك على أشكال القمع وعدم المساواة المعاصرة، مثل حرية التعبير، والإعدامات خارج نطاق القانون، والاتجار بالبشر، والفقر المدقع، والتمييز القائم على التوجه الجنسي أو النوع الاجتماعي، واستقلالية القضاء، وحقوق المهاجرين. وهذه المواضيع، رغم أنها غالبًا ما توضع في المرتبة الثانية في ظل الطوارئ الجيوسياسية، إلّا أنها في صميم ديناميكيّات القمع التي تقوّض المجتمعات.

وسيُعقد النقاش السنوي حول حقوق المرأة في 24 يونيو، تعبيرًا عن التزام المجلس بالمضي قدمًا في تعزيز هذه الحقوق، رغم التراجعات المسجلة في عدة مناطق من العالم. كما سيتناول المجلس التحدّيات البيئية، لا سيّما تأثيرات التغير المناخي على حقوق الإنسان، وسينظّم مائدة مستديرة مخصصة لمسألة الحصول على مياه الشرب والصرف الصحي، وهي قضايا باتت حرجة في مناطق عديدة تعاني من الجفاف أو النزاعات أو سوء الحوكمة.

وتنعقد هذه الدورة في لحظة محورية بالنسبة للنظام التعددي، الذي يواجه انتقادات متزايدة. ويظلّ الاستعراض الدوري الشامل، الذي سيُقيّم أربعة عشر بلدًا من 30 يونيو إلى 2 يوليو، أحد الآليّات القليلة الشاملة وغير التصادمية للمجلس. وهو يذكّر بأنه، رغم الانقسامات، لا يزال الحوار ممكنًا وضروريًا لبناء مسؤولية جماعية في مجال حقوق الإنسان.

أمام تصاعد النزاعات، وتآكل القانون الإنساني، والهجمات على المعايير الدولية، تُعدّ الدورة التاسعة والخمسون اختبارًا لقدرة المجلس على الحفاظ على مكانته. والعالم يراقب: ففي قاعات قصر الأمم، يتقرّر أيضًا مستقبل التعاون الدولي، بين آمال هشّة، وحاجة ملحّة للتحرك.

Scroll to Top