صمت دهرا ونطق كفرا: تصريحات وزير خارجية سويسرا عن مجازر غزة تثير صدمة دولية ودعوات برلمانية لسحب ملف غزة منه

أثارت المجازر المتواصلة بحق المدنيين في قطاع غزة، والتي أسفرت مؤخرًا عن مقتل العشرات أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات، موجة غضب دولي عارمة. وفي خضم هذه التطورات، أثارت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السويسري وعضو المجلس الفدرالي، إينياتسيو كاسيس، جدلًا واسعًا بعد خروجه من صمته الطويل.

في مقابلته مع القناة السويسرية RTS مساء الثلاثاء 4 يونيو، امتنع كاسيس عن إدانة الهجمات الإسرائيلية، ولم يُظهر أي تعاطف مع الضحايا الفلسطينيين. وبدلاً من ذلك، أشار إلى أن ما يجري هو “حرب معلومات”، مشككًا في الروايات المتداولة، ومعتبرًا أن “لا أحد يمكن تصديقه بالكامل“.

وعند سؤاله عن قرار سويسرا بعدم التوقيع على الرسالة التي وجّهتها 22 دولة أوروبية، ودعت فيها إلى إسناد إدارة المساعدات الإنسانية إلى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بدلًا من إسرائيل، أوضح كاسيس أن الرسالة كانت بمثابة “افتراض سوء نية تجاه مؤسسة لا نعرف عنها شيئًا”، في إشارة إلى “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) التي تُشرف على عمليات توزيع المساعدات.

موقف كاسيس المنحاز لإسرائيل

هذا الموقف، الذي اعتبره مراقبون انحيازًا واضحًا لإسرائيل، لا يأتي من فراغ. فقد عبّر كاسيس في مناسبات سابقة عن تقارب أيديولوجي مع السياسات الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة “الإرهاب” ومحاربة الجماعات المسلحة. كما يُعرف عنه التمسك بمفهوم ضيق للحياد السويسري، يربطه غالبًا بالموقف السياسي الحذر تجاه القوى الغربية وحلفائها.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن كاسيس المنتمي إلى الحزب الليبرالي الراديكالي (PLR) يتبنى رؤية تعتبر إسرائيل “دولة ديمقراطية في محيط معادٍ”، ويرى أن الانتقادات الغربية الموجهة لها غالبًا ما تكون “مسيسة أو مبالغ فيها”. هذا الموقف تغذّيه علاقات شخصية وسياسية مع دوائر مقربة من الحكومة الإسرائيلية، إلى جانب ضغوط داخلية من جهات اقتصادية ترى في الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل مصلحة استراتيجية لسويسرا.

دعوات برلمانية لسحب الملف من كاسيس

في المقابل، عبّر عدد من النواب في البرلمان الفدرالي عن استيائهم الشديد منِ تصريحات وزير الخارجية، وطالبوا بسحب ملف غزة من وزارته وإيداعه بيد الرئيسة الفدرالية. واعتبر النواب أن موقف كاسيس لا يمثل القيم الإنسانية لسويسرا، ويتناقض مع دورها التاريخي كدولة راعية لاتفاقيات جنيف ومدافعة عن القانون الدولي الإنساني. ودعوا إلى نقل الملف إلى جهة فدرالية محايدة وأكثر تمسكًا بمبادئ حقوق الإنسان.

تداعيات دبلوماسية وتوتر مع الدول العربية

حتى الآن، لم تُسجّل مواقف رسمية من الدول العربية تجاه هذه التصريحات. ومع ذلك، قد تتطور ردود الفعل في الأيام المقبلة، خاصة في ظل حساسية الموقف الإنساني في غزة، واكتفت جهات دبلوماسية بالتعبير عن “خيبة أمل عميقة” من التصريحات السويسرية، معتبرة أن غياب الإدانة الصريحة للجرائم في غزة يمسّ بصورة سويسرا كدولة محايدة وإنسانية.

نداء لإعادة التوازن الدبلوماسيتتزايد الدعوات في الداخل والخارج لموقف رسمي واضح من رئاسة المجلس الفدرالي، وتحديدًا من الرئيسة كارين كيلر سوتر، لإعادة التأكيد على المبادئ الإنسانية التي لطالما ارتبطت باسم سويسرا. وبينما تتفاقم الأزمة في غزة وتتصاعد الانتقادات الدولية، تبدو مصداقية سويسرا الدولية – كوسيط نزيه ومدافع عن القانون الدولي – أمام اختبار بالغ الصعوبة.

Scroll to Top