تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة إحداث تحوّل جذري في المشهدين التكنولوجي والجيوسياسي العالمي، من خلال استثماراتها الهائلة التي تبلغ قيمتها 1,4 تريليون دولار في الولايات المتحدة. وفي صميم هذا التوجه يقف الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني ورجل الظل الذي أصبح المهندس الحقيقي لاستراتيجية الإمارات في القرن الحادي والعشرين.
وبينما يظل الشيخ محمد بن زايد (رئيس الدولة) هو الواجهة الرسمية للقيادة الإماراتية، فإن الشيخ طحنون هو من يدير التحركات الأكثر حساسية واستراتيجية خلف الكواليس، لاسيما أنه يدفع بالاستراتيجية الإماراتية الطموحة بشأن الذكاء الاصطناعي انطلاقا من عدة دوافع رئيسية، أهمها:
- الحفاظ على النفوذ العالمي في عصر التحول الرقمي: تدرك الإمارات أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا تكنولوجيًا بل أساسًا في إعادة تشكيل النفوذ الاقتصادي والعسكري والثقافي للدول.
- تقوية الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن: في ظل التوترات العالمية، تسعى الإمارات إلى توثيق تحالفها مع الولايات المتحدة عبر المصالح الاقتصادية والتكنولوجية العميقة، بدلًا من الاعتماد فقط على العلاقات العسكرية والدبلوماسية.
- فك الارتباط التدريجي مع الصين: مع تصاعد التنافس الأمريكي-الصيني، تحاول الإمارات أن تعيد تموضعها الجيوسياسي من خلال تقليل ارتباطها بأنظمة التكنولوجيا الصينية والتحول نحو المعسكر الغربي.
- تحفيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل: يمثل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي فرصة لتسريع التحول الاقتصادي في الإمارات وتقليل الاعتماد على النفط، بما يتماشى مع رؤية 2071.
- امتلاك الحصة الأكبر من “نفط المستقبل”: البيانات والذكاء الاصطناعي أصبحا المحركين الأساسيين للاقتصاد العالمي. الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي يضع الإمارات في موقع متقدم في سباق امتلاك وتوجيه هذا المورد الجديد.
تحول استراتيجي نحو قيادة الذكاء الاصطناعي
في قلب هذه الاستثمارات الإماراتية، يبرز مشروع ضخم بقيمة 30 مليار دولار يهدف إلى تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين مثل Microsoft وNVIDIA وBlackRock وXAI التابعة لإيلون ماسك. ويشمل المشروع إنشاء مراكز بيانات متقدمة، وسلاسل توريد لأشباه الموصلات، وبنى تحتية للحوسبة من الجيل القادم…
هذا التوجه يضع الإمارات في قلب منظومة الذكاء الاصطناعي بقيادة واشنطن — ويؤكد تخليها المقصود عن علاقاتها التقنية السابقة مع الصين. فالإمارات لا تكتفي بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي، بل تشتري موقعًا استراتيجيًا في مستقبل التكنولوجيا الغربية.
عقيدة الشيخ طحنون: تأثير هادئ، نفوذ عالمي
بصفته رئيسًا لشركة G42 المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، ورئيس صندوق ADQ السيادي، يقود الشيخ طحنون دبلوماسية التكنولوجيا واستثماراتها بخطى دقيقة. وقد أعادت G42 تموضعها بعد أن كانت مرتبطة سابقًا بشركاء صينيين، لتتوجه نحو شراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة — في تغيير يُنسب مباشرة إلى نهج طحنون.
ويراه المراقبون أكثر الشخصيات نفوذًا في الدولة بعد الشيخ محمد بن زايد فلقاؤه مع الرئيس دونالد ترامب في المكتب البيضاوي في 19 مارس الماضي، يُنظر إليه كخطوة محسوبة لضمان استمرارية استراتيجية الإمارات في ترسيخ شراكتها مع واشنطن في معركة الهيمنة التكنولوجية العالمية.
الطاقة والبنية التحتية: المحور التكميلي للاستراتيجية
إلى جانب الذكاء الاصطناعي، تضخ الإمارات 25 مليار دولار في مشاريع الطاقة والبنية التحتية الأمريكية من خلال ADQ وشركة Energy Capital Partners وتُسهم هذه الاستثمارات في تعميق الترابط الاقتصادي بين البلدين، وتعزز مكانة الإمارات كلاعب أساسي في البنية التحتية الرقمية والمادية على حد سواء.
إن موجة الاستثمارات الإماراتية في الذكاء الاصطناعي لا تستهدف فقط تحقيق عوائد مالية — بل تمثل رهانا استراتيجيًا طويل الأمد على النفوذ والقوة. ومن خلال الاندماج العميق في المنظومة التكنولوجية والطاقة الأمريكية، تُعزز الإمارات تحالفها مع واشنطن، وتبتعد عن الهيمنة الصينية، وتُعيد تعريف دورها في النظام العالمي الجديد.
وفي خلفية هذا التحول الجيوسياسي يقف الشيخ طحنون — الاستراتيجي الصامت الذي تعيد قراراته رسم ملامح النظام الدولي القادم.