نواف نعمان – رئيس التحرير
في خضم عالم يتغير بوتيرة متسارعة، وسط صراع القوى، وتحولات الأسواق، وأزمات الغذاء والطاقة، تبرز دول مجلس التعاون الخليجي كرقم صعب في معادلة الاستقرار الإقليمي والتوازن الدولي، فلم تعد هذه الدول تُختزل في أدوار تقليدية كمصدر للطاقة أو منطقة نفوذ للقوى الكبرى، بل أصبحت طرفاً فاعلاً في رسم السياسات، وبناء التحالفات، وقيادة المبادرات.
لقد أدركت دول الخليج مبكراً أن الاعتماد على النفط وحده لم يعد كافياً، ليس فقط اقتصادياً، بل سياسياً أيضاً. فانطلقت رؤى طموحة لإعادة هيكلة اقتصاداتها، وبناء شراكات مستدامة مع القوى الدولية، شرقاً وغرباً. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل التحول اللافت في السياسة الخارجية الخليجية التي أصبحت أكثر توازناً، وأشد واقعية، وأوسع أفقاً.
تعاون لا تبعية
العلاقة بين الخليج والقوى الكبرى لم تعد علاقة تبعية أمنية أو اقتصادية، بل تحوّلت إلى شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة. فمن التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة في مجال الدفاع والأمن السيبراني، إلى الشراكات الاستثمارية مع الصين، والحوارات الأمنية مع فرنسا وبريطانيا، وصولاً إلى الاتفاقات الاقتصادية مع الهند وكوريا الجنوبية، يتضح أن الخليج بات لاعباً يعرف جيداً كيف يوزع أوراقه بذكاء.
اللافت أن هذا التوازن الخليجي في العلاقات الدولية لا يأتي على حساب الاستقلالية، بل يعكس وعياً سياسياً متقدماً بحجم التحولات الجيوسياسية. فاليوم، دول الخليج قادرة على الحديث مع واشنطن وموسكو في الوقت نفسه، وتوقيع شراكات مع بكين دون الإخلال بعلاقاتها مع العواصم الغربية.
الأمن الإقليمي مسؤولية مشتركة
على صعيد الأمن الإقليمي، أظهرت دول الخليج أنها لا تنتظر الحلول من الخارج، بل تسعى إلى بلورتها من الداخل. يكفي النظر إلى الجهود المبذولة في تسوية ملفات مثل اليمن، وسوريا، والسودان، لفهم حجم المبادرة الخليجية، ليس كوسيط محايد فقط، بل كضامن للاستقرار.
كما أن المشاركة الخليجية في المبادرات الدولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق هرمز، ومكافحة الإرهاب وتمويله، تؤكد أن الأمن لم يعد مسؤولية القوى الكبرى فقط، بل واجب تتقاسمه الدول الفاعلة، والخليج في طليعتها.
قوة ناعمة صاعدة
إلى جانب القوة الاقتصادية والدبلوماسية، تصعد دول الخليج كقوة ناعمة تمتلك أدواتها الخاصة: من تنظيم الفعاليات الرياضية والثقافية الكبرى، إلى الاستثمار في الإعلام، والتعليم، والتكنولوجيا. وهو ما يجعلها أكثر قدرة على التأثير، ليس فقط في محيطها، بل في الرأي العام العالمي.
في الختام، لم تعد دول مجلس التعاون الخليجي مجرد محاور في حسابات الآخرين، بل أصبحت شريكاً رئيسياً في كتابة فصل جديد من النظام الدولي. وإذا كان القرن الحادي والعشرون يبحث عن مراكز ثقل جديدة، فإن الخليج اليوم، بفضل رؤيته الموحدة وتحركاته الذكية، يقدم نفسه كمرشح طبيعي لهذه المكانة.