الطلب المتزايد على الطاقة المتجدّدة يعزّز نشاط الجريمة المنظّمة في قطاع المعادن الحيويّة 

أدّى النمو العالمي في الطلب على تقنيات الطاقة المتجددة إلى ازدهار كبير في سوق “المعادن الحيوية”، وهي المواد الأساسية اللازمة لإنتاج البطاريات وتوربينات الرياح والألواح الشمسية. غير أن هذا الازدهار جاء مصحوباً بآثار جانبية مقلقة، أبرزها تصاعد نفوذ جماعات الجريمة المنظمة ضمن سلاسل التوريد العالمية، لا سيّما في قطاع تعدين الذهب، وفقاً لتقرير حديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. 

تسلل إجرامي إلى قلب صناعة التعدين 

يحذر التقرير من أن الشبكات الإجرامية باتت تسعى بشكل متزايد للهيمنة على مواقع استخراج المعادن وطرق التجارة ومرافق التكرير، مدفوعة بالربحية العالية لهذا القطاع الاستراتيجي. وتُظهر البيانات أن هذه الجماعات تمكنت بالفعل من التغلغل بعمق في سلاسل توريد الذهب، مع استفادتها من التقدم في وسائل النقل والتمويل والاتصالات، ما سهّل لها عمليات غسيل الأموال وتهريب الذهب غير القانوني. 

ارتفاع أسعار الذهب والمعادن الثمينة يعزز جاذبية السوق السوداء 

يشير التقرير إلى أنّ الارتفاع المستمر في أسعار الذهب والمعادن الثمينة قد شكّل عاملاً محفّزًا إضافيًّا لتوسّع النشاط الإجرامي. فمع تجاوز الذهب في بعض الفترات مستويات تاريخية من حيث السعر، ازدادت جاذبيته كأصل قابل للتداول والتهريب. كما أن المعادن الحيوية الأخرى، مثل الكوبالت والليثيوم، شهدت طلبًا متزايدًا أدّى إلى رفع قيمتها السوقية، مما جعلها هدفًا مغريًا لشبكات الجريمة المنظمة. هذا الواقع أدّى إلى تصاعد أنشطة التعدين غير المشروع، لا سيّما في المناطق التي تفتقر إلى الرقابة المؤسسية والبنية التحتية القوية، حيث يصبح استغلال الثروات الطبيعية وسيلة سريعة لتحقيق أرباح ضخمة بعيدًا عن الأطر القانونية. 

تهديد عالمي متصاعد 

صنّف التقرير تورّط الجريمة المنظمة في تجارة الذهب على أنه “تهديد عالمي خطير”، مؤكدًا أنّ هذه الشبكات غير القانونية تطوّر أساليبها باستمرار لتفادي الرقابة وتعزيز مكاسبها. وتتسبب هذه الأنشطة في تصاعد العنف والفساد، وتفاقم الأضرار البيئية، إلى جانب استغلال السكان المحليين، ما يزيد من مخاطر الاتجار بالبشر، والعمل القسري، والنزوح القسري. 

التعدين غير المشروع وتدهور البيئة 

وعلى الرغم من خضوع التعدين القانوني لأنظمة تهدف إلى تقليل الآثار البيئية، فإنّ عمليات التعدين غير المشروع غالباً ما تتجاهل هذه المعايير كليًّا. ويشير التقرير إلى أن إزالة الغابات للوصول إلى الرواسب المعدنية في المناطق المحمية تساهم بشكل مباشر في تدهور النظم البيئية وتسريع فقدان التنوع البيولوجي. كما تلجأ العصابات الإجرامية إلى استخدام مواد كيميائية خطرة ومحظورة، ما يفاقم من حجم الضرر البيئي الناتج عن هذه الأنشطة.  

ورغم أن معظم مواقع تعدين الذهب تتركز في أفريقيا جنوب الصحراء، وأمريكا اللاتينية، والكاريبي، وجنوب شرق آسيا، إلا أن عمليات التكرير تتم في الغالب في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية. ونتيجة لذلك، يعبر الذهب عدة حدود قبل أن يصل إلى المصافي، مما يخلق فرصًا واسعة للاستغلال الإجرامي، بخاصة في ظلّ ضعف الرقابة، وتفاوت الوثائق، والثغرات التنظيمية. 

يشير التقرير إلى أن التركيز الجغرافي لمصافي الذهب يمثل نقطة استراتيجية يمكن من خلالها كبح جماح هذه الأنشطة الإجرامية. ويوصي بأن تركز الجهود التنظيمية والرقابية على هذه المراكز الحيوية، ما من شأنه أن يسهم بشكل كبير في الحدّ من تدفق الذهب غير المشروع إلى الأسواق العالمية. 

ففي ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، تبدو الحاجة ملحة إلى تعزيز الحوكمة والرقابة في سلاسل التوريد المرتبطة بالمعادن الحيوية. فبينما تمثل هذه الموارد أساسًا لمستقبل مستدام، فإن تركها عرضة للاستغلال من قبل الجريمة المنظمة قد يقوّض الجهود البيئية والإنسانية على حدّ سواء. 

Scroll to Top