شهد العالم في عام 2024 أكبر ارتفاع في الإنفاق العسكري منذ نهاية الحرب الباردة، إذ وصل إجمالي الإنفاق العسكري العالمي إلى 2,718 تريليون دولار، بحسب تقرير جديد صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI) ، ويُعد هذا العام العاشر على التوالي الذي يشهد نمواً متواصلاً في الإنفاق الدفاعي، في وقت تتزايد فيه التهديدات الأمنية والنزاعات الإقليمية وتعزز فيه الدول الكبرى قدراتها العسكرية.
أوروبا تتصدر السباق العسكري
شكلت أوروبا (بما في ذلك روسيا) المحرك الرئيسي للزيادة العالمية بسبب تعزيزها للميزانيات الدفاعية التي بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، إذ ارتفع إنفاقها العسكري بنسبة 17 بالمئة يصل إلى 693 مليار دولار.
وشهدت روسيا قفزة كبيرة في إنفاقها العسكري بنسبة لتصل إلى 149 مليار دولار، ما يمثل 7.1 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وفي المقابل، بلغت نفقات أوكرانيا الدفاعية64,7 مليار دولار، أي ما يعادل 34 بالمئة من ناتجها المحلي، لتكون صاحبة أعلى أكبر دولة استفادة من الدعم العسكري الأجنبي في العالم.
ووسط هذا التصعيد، تصدّرت ألمانيا أوروبا الغربية من حيث الإنفاق العسكري، مع تخصيص 88,5 مليار دولار ، أما بولندا، فقد خصصت 4,2 بالمئة من ناتجها المحلي للدفاع، في خطوة تُبرز دورها المتنامي على الساحة العسكرية الأوروبية.
الناتو يوسّع دائرة “نسبة الـ2 بالمئة” التاريخية
ارتفع عدد دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي خصصت 2 بالمئة على الأقل من ناتجها المحلي للدفاع إلى 18 دولة من أصل 32، وهو أعلى عدد منذ اعتماد هذا المعيار في عام 2014. وبلغ مجموع إنفاق الناتو 1,506 ترليون دولار، أي 55 بالمئة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، مع استمرار الولايات المتحدة كأكبر منفق عالميًا بـ997 مليار دولار.
الشرق الأوسط: إسرائيل ولبنان في واجهة التصعيد
في الشرق الأوسط، سجلت إسرائيل أعلى زيادة سنوية في إنفاقها الدفاعي منذ عام 1967، بنسبة 65 بالمئة لتبلغ 64,5 مليار دولار، مدفوعة بالحرب المستمرة في غزة والمواجهات مع حزب الله في لبنان. أما لبنان، فرغم أزماته الداخلية، فقد رفع إنفاقه العسكري بنسبة 58 بالمئة إلى 635 مليون دولار. بالمقابل، تراجع إنفاق إيران بنسبة 10 بالمئة بسبب القيود الاقتصادية والعقوبات الدولية، ليصل إلى 7,9 مليار دولار، فيما كانت السعودية الأولى إقليميا بقيمة النفقات التي وصلت إلى 80,3 مليار دولار .
قراءة استراتيجية
تشير هذه الأرقام إلى تحوّل عالمي في أولويات السياسات العامة، حيث بات الأمن العسكري يحتل صدارة الإنفاق الحكومي على حساب قطاعات تتعلق بالحقوق الأساسية للمواطنين كالصحة والتعليم والتنمية. كما أنها تعكس التوسع في الإنفاق الدفاعي، خاصة في أوروبا وآسيا، بسبب المخاوف المتزايدة من تحولات النظام الدولي، وصعود التهديدات غير التقليدية مثل الحروب السيبرانية والأسلحة النووية التكتيكية.
ورغم أن زيادة الإنفاق لا تعني بالضرورة تحسين الجاهزية أو الاستقلال الاستراتيجي، إلا أن الاتجاه العام يوحي بدخول العالم في مرحلة جديدة من سباق التسلح متعدد الأقطاب، يتطلب قراءة متأنية لما قد يحمله المستقبل من مواجهات مباشرة أو عبر الوكلاء.