مفوّضيّة اللاجئين على مفترق طرق عشيّة اختيار قيادتها الجديدة: أزمة ماليّة غير مسبوقة والمنطقة العربيّة الأكثر تأثّرًا

012
مفوّضيّة اللاجئين على مفترق طرق عشيّة اختيار قيادتها الجديدة: أزمة ماليّة غير مسبوقة والمنطقة العربيّة الأكثر تأثّرًا

تدخل المفوّضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) مرحلة مفصليّة مع اقتراب موعد مغادرة فيليبو غراندي لمنصبه، بعد عشر سنوات من قيادته للوكالة الأمميّة. وتأتي هذه اللحظة الحرجة في ظل أزمة ماليّة غير مسبوقة، وضغوط سياسيّة متزايدة، وعدد قياسي من النازحين واللاجئين حول العالم. ويُرتقب أن يمتدّ أثر هذا التغيير القيادي إلى المنطقة العربيّة التي تمثل واحدة من أهمّ ساحات عمل المفوّضيّة.

أزمة ماليّة غير مسبوقة

تواجه المفوضية السامية أزمة مالية حادّة مع تخفيض ميزانيتها بنسبة 20% في عام 2026، لتعمل بما لا يتجاوز 8.5 مليارات دولار. وقد أعلن غراندي خلال اجتماع اللجنة التنفيذيّة في جنيف أنّ نحو 5000 وظيفة تمّ الاستغناء عنها بالفعل، وأنّ الوكالة عاجزة عن تغطية نصف ميزانيّتها لعام 2025.

كما تراجع اهتمام المانحين بالتمويل المرن، وهو ما يقلّص قدرة المفوضية على توجيه مواردها بحسب الاحتياجات الميدانيّة. ومن المنتظر أن يشكّل مؤتمر المانحين في ديسمبر المقبل اختبارًا حاسمًا أمام القيادة الجديدة.

تحوّلات في الأولويات الميدانيّة

يُتوقّع أن تتّجه المفوضية في المرحلة المقبلة إلى التركيز أكثر على مهمّتها الأساسيّة: حماية نظام اللجوء الدولي، مع تقليص دورها التشغيلي المباشر لصالح المنظّمات غير الحكوميّة والمؤسّسات المحليّة. ويشير خبراء إلى أنّ 80% من برامج المفوضية تنفَّذ حاليًّا من خلال شركاء ميدانيين، ما يفتح الباب أمام تحوّلات في هيكل عملها وآليّاته.

ترشيحات متنوّعة وأوروبا في الصدارة…

كالعادة، يهيمن المرشّحون الأوروبيّون على سباق الخلافة، ومن أبرز الأسماء المطروحة المرشّح الألماني نيلس أنن، والسويسريّة كريستين شرانر بورغنر، وزيرة الدولة السابقة للهجرة ومبعوثة الأمم المتحدة إلى ميانمار. وتُعدّ سويسرا من أبرز المانحين للمفوضيّة، كما تستضيف مقرّها الرئيسي في جنيف، ما يمنح ترشيحها زخمًا إضافيًّا.

وفي المقابل، يبرز اسم ماثيو كواسي كرينتسل، ممثّل المفوضيّة في أوغندا، كأوّل إفريقي محتمل لتولّي المنصب. ويُنظر إلى هذا الترشيح كفرصة لإحداث توازن جديد في تمثيل الجنوب العالمي داخل المنظّمات الأمميّة. كما تضمّ قائمة المرشّحين شخصيّات من تركيا، العراق، إسبانيا، فرنسا، والسويد، من خلفيّات دبلوماسية وإداريّة متنوّعة.

 المنطقة العربيّة في قلب المعادلة

تُعدّ المنطقة العربيّة من أكبر بؤر اللجوء والنزوح في العالم. إذ تستضيف دول مثل الأردن ولبنان ومصر أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريّين والفلسطينيّين، فيما تلعب دول الخليج دورًا متزايدًا كمموّل رئيسي للبرامج الإنسانيّة. كما أسهمت أزمات السودان واليمن وسوريا وليبيا في خلق موجات نزوح ضخمة جعلت من المنطقة محورًا أساسيًّا في عمل المفوضيّة.

هويّة المفوّض السامي الجديد ستحدّد إلى حد كبير طبيعة العلاقة بين الوكالة والدول العربيّة. ففي حال فوز مرشّح أوروبي، قد تتّجه السياسات نحو إبقاء اللاجئين داخل المنطقة وتعزيز الضغوط على الدول المضيفة مقابل دعم مالي وتقني. أما إذا كان الفائز من الجنوب العالمي، فقد يتبنّى خطابًا أكثر توازنًا مع تعزيز الشراكات الإقليميّة. وفي حال قدوم شخصيّة من خلفيّة إداريّة، فقد يطغى البعد المالي والتشغيلي على عمل المفوّضيّة، ما يفتح الباب أمام دور أكبر للمؤسّسات الخليجيّة.

مفترق طرق سياسي وإنساني

منصب المفوّض السامي ليس مجرّد وظيفة تقنيّة، بل يحمل وزنًا سياسيًّا وإنسانيًّا كبيرًا. فالقيادة الجديدة قد تعيد رسم ملامح السياسة الإنسانيّة في ملفّات حسّاسة مثل سوريا واليمن والسودان. كما قد تؤثّر على مواقف المانحين الأوروبيّين، وتعيد ترتيب أولويّات المفوضيّة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

والسباق على قيادة المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يمثّل مفترق طرق للوكالة الأمميّة، التي تواجه واحدة من أعقد مراحلها. وفي ظلّ تصاعد أزمات النزوح من غزة إلى السودان، ومن سوريا إلى المتوسّط، ستكون المنطقة العربيّة في صلب التوازنات الجديدة التي سيرسمها المفوّض السامي المقبل، أيًّا كانت خلفيّته.

Scroll to Top