بقلم سيباستيان بوسوا, باحث ومستشار في الشؤون الجيوستراتيجية
لقد تم التنبؤ بنهاية النظام المتعدد الأطراف منذ زمن بعيد. ومن الواضح أن القوى الغربية قد استكانت طويلاً إلى أمجادها السابقة، مستفيدة من نظام دولي وُرث عن نهاية الحرب العالمية الثانية، يصب في مصلحتها. وقد رفضت تحديث هذا النظام أو تكييفه مع المعطيات الجيوسياسية العالمية الجديدة. خوفًا من فقدان نفوذها، بطبيعة الحال، بلغ بها الأمر حد انتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، الذي طالما ادعت الدفاع عنه بمفردها في وجه الجميع. ومن هنا نمت مشاعر الإحباط والكراهية تجاه الأمم المتحدة. فنشهد الآن نزعًا للطابع الغربي عن النظام الدولي في أحد أطراف العالم، وتسارعًا في إضفاء الطابع الصيني في الطرف الآخر.
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة عام 1990، برز جزء جديد من العالم، تقوده خصوصًا الصين، ليطعن في شرعية المؤسسات الدولية التي يعتبرها منحازة للغرب. وفي الواقع، فإن الدول الغربية هي التي أضعفت التعددية الدولية مرارًا، من خلال التحايل على القانون الدولي أو انتهاكه. فالتدخل العسكري في العراق عام 2003، الذي جرى بدون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واستنادًا إلى أدلة زائفة بشأن أسلحة دمار شامل، يُعد مثالاً صارخًا. هذه الحرب قوضت بشكل عميق المصداقية الأخلاقية للقوى الغربية وأضعفت سلطة الأمم المتحدة. وفي ليبيا عام 2011، كان التدخل بقيادة الناتو مبررًا في البداية بقرار من الأمم المتحدة لحماية المدنيين، لكنه تحول بسرعة إلى عملية لتغيير النظام، مما أدى إلى سقوط القذافي واندلاع فوضى مستمرة حتى اليوم. وبالنسبة لإسرائيل، فإن القوى الغربية تغاضت مرارًا عن انتهاكاتها للقانون الإنساني الدولي، في حين منحت ضوءًا أخضر لحركات إسلامية مثل حماس وحزب الله، دون أن تُحاسب أياً منها. لقد غذى هذا التخاذل الغربي شعورًا بالظلم والإفلات من العقاب. كما أن الاستخدام الانتقائي للقانون الدولي أتاح لقوى أخرى، كروسيا والصين، تبرير انتهاكاتها الخاصة. لقد أفرغ هذا الكيل بمكيالين مفهوم النظام الدولي القائم على قواعد مشتركة من مضمونه، وساهم في العودة إلى منطق صراعات القوى.
ويعتقد كثيرون في أوروبا وأماكن أخرى أن دونالد ترامب يضع المسمار الأخير في نعش هذا العالم الذي كان يهيمن عليه الغرب. فعلى الرغم من خطابه السيادي، فإن ترامب يسعى في الحقيقة إلى الحفاظ على الهيمنة الأمريكية، وحشد الغرب خلفه، ولو بالقوة. إن نهجه ليس نهج تعددية كلاسيكية مبنية على مؤسسات دولية، بل قيادة حازمة تقوم على القوة والمصلحة الوطنية. وهو يرى أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى القوة العظمى في العالم، لا من خلال تقاسم سلطتها، بل بفرض رؤيتها والمطالبة بولاء حلفائها. يعلم ترامب أن الولايات المتحدة لا تستطيع احتواء قوة الصين بمفردها، أو مواجهة التهديدات العالمية الراهنة. ولهذا، يلعب ورقة مفارقة: زعيم أحادي يسعى إلى توحيد الغرب تحت رايته، لكن بشروطه الخاصة. هدفه واضح: استعادة الهيمنة الأمريكية، والحفاظ على عالم غربي موحد تهيمن عليه واشنطن. والكرة الآن في ملعبنا: علينا أن نقرر ما الذي نريده بما هو متاح لنا.