اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عين العاصفة: أزمة مالية تهدد مستقبل العمل الإنساني العالمي

CICR
اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عين العاصفة: أزمة مالية تهدد مستقبل العمل الإنساني العالمي

تواجه اللجنة الدولية للصليب الأحمر أزمة مالية حادة تُعد من أخطر التحديات تاريخها الممتد لأكثر من 160 عامًا، ما يهدد قدرتها على تقديم المساعدات الحيوية للملايين من المتضررين في مناطق النزاع حول العالم، رغم كونها عمادًا أساسيًا في بنية النظام الدولي، لما لها من دور فريد الذي يجمع بين الشرعية القانونية، والاستقلالية، والقدرة الميدانية الفعلية على الوصول إلى المناطق المتأثرة بالنزاعات المسلحة.

الرئيسة الحالية للجنة، ميريانا سبوليارك إيغر، أشارت في تصريح رسمي إلى أن المنظمة بدأت عام 2023 بعجز مالي يقدر بـ140 مليون فرنك سويسري، نتيجة لانخفاض حاد في مساهمات بعض الدول المانحة، وارتفاع التكاليف التشغيلية، في وقت تتسع فيه رقعة النزاعات والاحتياجات الإنسانية حول العالم.

وأضافت: “نحن نواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخنا. الاحتياجات الإنسانية تتزايد بشكل هائل، بينما الموارد المالية تتناقص. هذا الوضع يضعنا أمام مفترق طرق إنساني.”

ويعزى تراجع التمويل إلى عدة أسباب رئيسية، من أبرزها تحول أولويات بعض الدول المانحة، ومعظمها من الدول الغربية، نحو تعزيز ميزانياتها الدفاعية والأمنية، والتحديات الاقتصادية العالمية التي دفعت بعدد من الحكومات إلى تقليص مساهماتها في العمل الإنساني، بالإضافة إلى الضغوط السياسية الداخلية في بعض الدول، والتي أثرت على توجهات المساعدات الخارجية.

كما ساهمت الالتزامات الطارئة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا والكوارث المناخية المتكررة في استنزاف الموارد المالية للعديد من الجهات المانحة، مما أدى إلى تقليص الدعم الموجه للمنظمات الإنسانية التقليدية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

في عام 2024، كانت الولايات المتحدة أكبر مانح للجنة الدولية للصليب الأحمر بمساهمة بلغت 504 مليون فرنك سويسري، تلتها ألمانيا بـ260 مليون فرنك، ثم المفوضية الأوروبية بـ163 مليون فرنك، والمملكة المتحدة بـ 148 مليون فرنك .

وتدفع هذه الأزمة إلى التساؤل عن أسباب امتناع العديد من الدول غير الغربية من المساهمة بشكل بارز في ميزانية اللجنة الدولية مثل روسيا والصين رغم قدرتيهما المالية الجبارة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب أولها تحفظ كل من روسيا والصين على بعض المنظمات الدولية التي تُعتبر جزءًا من النظام العالمي التقليدي ذي الطابع الغربي. بالنسبة لروسيا، هناك توترات تاريخية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خاصة في النزاعات التي شاركت فيها مثل الشيشان وسوريا وأوكرانيا، حيث وجّهت اللجنة أحيانًا انتقادات تتعلق بانتهاكات إنسانية. من هذا المنطلق، فإن دعم اللجنة ماليًا قد يُفسر داخل روسيا بأنه دعم لمنظمة تتخذ مواقف “غير محايدة” من وجهة نظر موسكو.

أما الصين، فهي تتبنى سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتتحسس من أي نشاط إنساني دولي قد يُستخدم لتسليط الضوء على قضايا تعتبرها “داخلية”، مثل أوضاع الأقليات في شينجيانغ أو الاحتجاجات في هونغ كونغ. لذلك، تتحفظ على تمويل منظمات قد تُسبب لها إحراجًا دبلوماسيًا أو سياسيًا على الساحة الدولية.

وردًا على هذه الأزمة، نفذت اللجنة خطة تقشفية صارمة هدفت إلى خفض الإنفاق بمقدار 430 مليون فرنك سويسري على مدار عامي 2023 و2024. شملت الإجراءات تسريح أكثر من 1,800 موظف، وإغلاق 26 مكتبًا ميدانيًا في مناطق متعددة، إضافة إلى تقليص أو تعليق برامج مساعدة حيوية، من ضمنها المساعدات النقدية المباشرة التي كانت تشكل شريان حياة لآلاف العائلات.

الأزمة تركت أثرًا ملموسًا على العمليات الميدانية، خاصة في السودان، وغزة، وسوريا، والكونغو الديمقراطية، حيث أدت التخفيضات إلى تقليص القدرة على إيصال الغذاء، والمياه، والخدمات الطبية الأساسية. ومع ذلك، تؤكد اللجنة تمسكها بمبادئها الإنسانية وحرصها على مواصلة العمل حيثما كان ذلك ممكنًا.

في ظل هذا الوضع، أطلقت اللجنة نداءً لجمع 2,17 مليار فرنك سويسري لتمويل عملياتها لعام 2025، موجهة نداءً عاجلًا إلى المجتمع الدولي. وقالت إيغر في ختام كلمتها:  “نحن بحاجة إلى دعم عاجل من المجتمع الدولي. كل مساهمة تُحدث فرقًا في حياة المتضررين. إن تقاعس العالم الآن قد يعني ضياع أرواح لا حصر لها.”

Photo credit: “International Committee of the Red Cross, Geneva”, photo by Torbjorn Toby Jorgensen, source on Wikimedia Commons, licensed under CC BY-SA 2.0. No changes were made.

Scroll to Top