الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة تضع سويسرابين مطرقة المصالح الحيوية وسندان الكرامة السيادية

1000172924
الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة تضع سويسرابين مطرقة المصالح الحيوية وسندان الكرامة السيادية

أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية على سويسرا: اختبار قاسٍ للسيادة الاقتصادية والدبلوماسية الفيدرالية

في خطوة مفاجئة أثارت صدمة داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية السويسرية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 39% على نحو 60% من الصادرات السويسرية إلى الولايات المتحدة، بدءًا من 7 أغسطس 2025. وقد أجبرت هذه الخطوة غير المسبوقة المجلس الفيدرالي السويسري على عقد اجتماع طارئ، متجاوزًا جدول أعماله الصيفي المعتاد، ما يعكس حجم التهديد الذي تمثّله هذه الإجراءات على الاقتصاد السويسري.

تصعيد أميركي ورسالة سياسية

ما يثير القلق ليس فقط الحجم الهائل للرسوم الجديدة، بل أيضًا التباين الواضح في المعاملة بين سويسرا وشركاء تجاريين كبار آخرين للولايات المتحدة. فقد اكتفت واشنطن بفرض 15% على صادرات الاتحاد الأوروبي واليابان، و10% على المملكة المتحدة، بينما اختارت نسبة أعلى بكثير في حالة سويسرا. هذا التفاوت يُقرأ بوضوح كموقف سياسي أكثر منه اقتصادي، ورسالة إلى برن بأن الحياد والموقع الجغرافي لم يعودا كافيين لتجنيبها ضغوط القوى الكبرى.

ردّ فعل فيدرالي حذر… وربّما متردّد

في بيانه الرسمي في 4 أغسطس، أكّد المجلس الفيدرالي تمسكه بالحوار مع إدارة ترامب، متحدّثًا عن “مقاربات جديدة” دون كشف تفاصيلها، ومشيرًا إلى استعداده لتقديم “عرض أكثر جاذبية” لواشنطن. لكنّه، وفي المقابل، لم يعلن عن أيّ إجراءات مضادّة أو خطّة طوارئ اقتصادية لدعم القطاعات المتضرّرة. هذا النهج الحذر أثار انتقادات من بعض الشخصيات السياسية والدبلوماسية السابقة، مثل السفير توماس بورير، الذي دعا في مقابلة مع صحيفة “لو تمب” الناطقة بالفرنسية الحكومة إلى التحرّك العاجل وتقديم تنازلات ملموسة، بما في ذلك فتح السوق السويسرية أمام المنتجات الزراعية الأمريكية والضغط على شركات الأدوية لخفض الأسعار في السوق الأمريكية.

خيارات صعبة بين التنازل والمواجهة

التحليل العقلاني يوضح أن خيارات برن محدودة في مواجهة اقتصاد بحجم الولايات المتحدة وقوّتها. فرفض التنازلات يعني فقدان أكبر سوق لصادرات الساعات والمنتجات التقنية والطبية السويسرية. بينما القبول بشروط ترامب قد يعني تقديم تنازلات تمسّ السيادة الاقتصادية، وتفتح الباب أمام مطالب مستقبلية أكثر إلحاحًا. وفي الحالتين، تبدو سويسرا وكأنها عالقة بين مطرقة المصالح الحيوية وسندان الكرامة السيادية.

الواقع أن هذه الأزمة تضع الحياد السويسري أمام اختبار جديد. فإذا كانت برن قد اعتادت تجنّب الاصطفافات الجيوسياسية الكبرى، فإن الاقتصاد العالمي اليوم لا يعترف كثيرًا بالحياد كدرع ضدّ العقوبات والضغوط. الرسوم الأمريكية ليست مجرد مسألة تجارية، بل عنوان لتحوّل عميق في العلاقة بين الحلفاء التقليديين. والتحدّي الأبرز أمام صنّاع القرار السويسريين اليوم، هو إيجاد صيغة تفاوضية تحفظ المصالح دون الانحناء الكامل، وتحمي السيادة دون الانزلاق إلى صدام لا تملك أدواته.

ما بعد 7 أغسطس

مع اقتراب الموعد المحدد لتطبيق الرسوم، يترقّب المجتمع الاقتصادي والدبلوماسي السويسري الخطوة التالية من الحكومة. هل سترسل برن وفدًا إلى واشنطن؟ هل ستقدم حزمة تنازلات ملموسة؟ أم ستراهن على تأجيل التنفيذ وكسب الوقت؟

ما هو مؤكد أن ما بعد 7 أغسطس لن يكون كما قبله. فسويسرا الصغيرة، رغم قوّتها الاقتصادية والدبلوماسية، تجد نفسها مضطرّة لإعادة التفكير في أساليب دفاعها عن مصالحها وسط عالم تتزايد فيه الحمائية وتتراجع فيه الاعتبارات التقليدية للشراكة والاحترام المتبادل.

Scroll to Top