قمّة أمريكية روسية حول أوكرانيا: أوروبا تتحرّك لمنع خطر التهميش

قمّة أمريكية روسية حول أوكرانيا: أوروبا تتحرّك لمنع خطر التهميش

 مع تحديد موعد قمّة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في15 أغسطس 2025 في ألاسكا لبحث إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، تحرّكت بروكسل وعواصم أوروبية رئيسية بسرعة لصياغة جدول الأعمال وحماية مصالحها. فقد دعت الممثّلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إلى اجتماع استثنائي لوزراء خارجية الاتحاد، مؤكّدة أن أي  اتّفاق بين الولايات المتحدة وروسيا يجب أن يشمل أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

وشدّدت كالاس على أنّ المحادثات لا تتعلّق بإنهاء حرب فحسب، بل بالدفاع عن النظام الأمني للقارة:

جميع الأراضي المحتلّة مؤقّتًا تعود إلى أوكرانيا.فلا يمكن تحقيق السلام من خلال إضفاء الشرعية على العدوان. ولن نقبل بأيّ ترتيبات تضعف البنية الأمنية الأوروبية.

القادة الأوروبيون يوحّدون الصفوف

في بيانات منسّقة، أكد قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وبولندا وفنلندا، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، دعمهم لموقف كالاس. ووجّهوا رسالة واضحة إلى واشنطن: لا يمكن تقرير السلام من دون أوكرانيا على الطاولة، ومن دون أوروبا. كما دعا عدد منهم إلى زيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على روسيا قبل القمّة، محذّرين من وقف لإطلاق النار قد يجمّد خطوط القتال لصالح موسكو.

موقف كييف ورهانات أوروبا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفض بشكل قاطع أيّ تنازلات إقليمية، ويضغط للحصول على مقعد مباشر في قمّة ألاسكا. وقد دعم مسؤولون في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو علنًا مشاركته، فيما أشارت واشنطن إلى احتمال اعتماد صيغة ثلاثية، من دون تأكيد نهائي.

ترى بروكسل أن اجتماع ألاسكا يتجاوز كونه تمرينًا دبلوماسيًا ثنائيًا، فهو لحظة حاسمة لمبادئ أساسية حافظت على استقرار أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة. بالنسبة للكثيرين في أوروبا، يثير مشهد واشنطن وموسكو وهما تحدّدان ترتيبات أمنية من دون مشاركة الأطراف المعنية مباشرة شبح مؤتمر يالطا 1945، حين جرى تقسيم مناطق النفوذ دون موافقة الدول الصغيرة.

ورغم أنّ أوروبا اليوم أقوى وأكثر وحدة ومرتبطة بحلف الناتو، فإن مجرّد الإيحاء بإقصائها قد يقوّض الثقة عبر الأطلسي، ويمنح روسيا دفعة معنوية، ويشجّع قوى مراجعة النظام الدولي في مناطق أخرى على اختبار حدوده. ولهذا، يؤكّد الاتحاد الأوروبي أنّ المشاركة الكاملة لأوروبا وأوكرانيا في صياغة أيّ اتفاق ليست خيارًا تكميليًا، بل شرط لضمان أمن القارة.

قمة ألاسكا والأبعاد الجيوستراتيجية في أوروبا

تسلّط التحضيرات لقمّة ألاسكا الضوء على توتّر استراتيجي جوهري: رغبة واشنطن في تسوية سريعة تحفظ ماء الوجه، مقابل إصرار أوروبا على عملية شاملة قائمة على المبادئ، تحمي السيادة والسلامة الإقليمية. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الرهانات وجودية: التنازل عن حدود أوكرانيا قد يشجّع موسكو ويفتح الباب أمام تحدّيات جديدة في أماكن أخرى من القارة.

من خلال تحديد الخطوط الحمراء مبكرًا، تبعث كالاس والقادة الأوروبيون برسالة مفادها أنّ بروكسل لن تكون مجرّد متفرج على مفاوضات ستحدّد مستقبل القارة. ومع ذلك، فإنّ غياب دور رسمي للاتحاد في المحادثات الأمريكية الروسية يجعل نفوذه رهينًا بالحفاظ على وحدة الموقف مع كييف، وإقناع واشنطن بأنّ أيّ اتفاق دون أوروبا قد يهدّد الثقة عبر الأطلسي.

ستكون قمّة ألاسكا اختبارًا ليس فقط للعلاقات الأمريكية الروسية، بل لقدرة الاتحاد الأوروبي على تحويل المواقف المبدئية إلى نفوذ فعلي. أمّا الفشل في ضمان مقعد مؤثّر على الطاولة، فقد يغيّر ميزان القوى بطريقة تخدم أهداف موسكو طويلة الأمد، ويجعل من ألاسكا 2025 نقطة تحوّل رمزية تشير إلى عودة غير مرحّب بها لفكرة مناطق النفوذ.

Scroll to Top