المغرب بين التجديد والاستمراريّة: الجيل الجديد في قلب المشروع الوطني

1000194242
المغرب بين التجديد والاستمراريّة: الجيل الجديد في قلب المشروع الوطني

بعد خمسة عشر عامًا على انطلاق الثورات والفوضى في بعض المناطق العربية التي أطلق عليها وصف “الربيع العربي”، يواصل المغرب تميّزه كأحد أكثر البلدان العربية استقرارًا ووضوحًا في الرؤية. فالمملكة استطاعت أن تحافظ على توازنها السياسي والاجتماعي في محيط إقليمي مضطرب، وأن ترسّخ نهجًا إصلاحيًّا متدرّجًا يجمع بين التحديث والحفاظ على الخصوصية الوطنية.

ومع التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم، برز في المغرب جيل جديد من الشباب يتميّز بانفتاحه على التكنولوجيا واتّصاله الدائم بالعالم، وبوعيه الوطني العميق. هذا الجيل، الذي يمكن وصفه بجيل “زد المغربي”، يسعى إلى المساهمة الفاعلة في بناء مستقبل بلده، من خلال المطالبة بفرص أكبر في العمل والتعليم والمشاركة في الحياة العامّة.

مبادرات نوعيّة

وفي هذا السياق، أكّد الملك محمد السادس، في عدد من المناسبات، أنّ الشباب المغربي هو ركيزة التنمية ومحور النموذج التنموي الجديد، مشدّدًا على أنّ “لا تنمية بدون إشراك فعلي للشباب في كلّ مستويات القرار والعمل الوطني”. وقد جاءت التوجيهات الملكية الأخيرة لتجسّد هذا التوجّه العملي عبر حزمة من المبادرات النوعية التي تُعبّر عن رؤية بعيدة المدى للدولة المغربية.

فقد أقرّ مجلس الوزراء مجموعة من البرامج الموجّهة للشباب، أبرزها تأسيس الصندوق الوطني للابتكار وتشغيل الشباب لدعم المشاريع الريادية والمبادرات الذاتية، وإصلاح منظومة التعليم العالي والتكوين المهني بما يتلاءم مع متطلّبات الاقتصاد العصري ومهن المستقبل، وإطلاق منصات إقليمية للحوار والتواصل بين الشباب والمؤسسات العمومية لضمان مشاركة بنّاءة ومسؤولة، وتوسيع فرص المشاركة السياسية والتطوعية أمام الأجيال الجديدة ضمن رؤية وطنية جامعة.

كما أعلن عن خلق ما يقارب 27 ألف منصب جديد في قطاعي التعليم والصحة، في خطوة تعبّر عن التزام واضح بتعزيز العدالة الاجتماعية وتحسين جودة الخدمات الأساسية للمواطنين.

الحراك الشبابي دليل حيويّة

هذه الإصلاحات تعكس بوضوح حرص العرش المغربي على ترسيخ ثقافة الإصلاح الهادئ والبنّاء، وعلى جعل الحوار والإنصات ركيزة أساسية في العلاقة بين الدولة والمجتمع. فالحراك الشبابي الذي تشهده المدن المغربية اليوم لا يُقرأ في سياق احتجاجي، بل كعلامة على حيويّة المجتمع المغربي ورغبته في المشاركة في صياغة مستقبل البلاد بروح إيجابية ومسؤولة.

وفي هذا الإطار، جاء فوز المغرب مؤخّرًا بكأس العالم لكرة القدم لفئة أقلّ من 20 سنة ليُترجم هذه الدينامية الشبابية على أرض الواقع، وليعزّز صورة المملكة كقوة صاعدة في الرياضة والتنمية. فقد شكّل هذا الإنجاز الوطني لحظة فخر جماعي رسّخت الثقة بالنفس لدى الشباب، وأكّدت أن الطاقات المغربية قادرة على المنافسة والريادة عالميًّا. كما أسهم الفوز في تحفيز الدولة على توسيع الاستثمار في البنية التحتية الرياضية والتعليمية، وتعزيز البرامج الموجّهة للشباب، وترسيخ نموذج تنموي يجعل منهم رافعة استراتيجية لمستقبل المغرب. وهكذا أصبح هذا الانتصار الرياضي رمزًا لمرحلة جديدة من الوعي الشبابي والمواطنة الفاعلة، ودليلاً على أنّ المغرب يراهن على شبابه لبناء بلد متجدّد بثوابته ومنفتح على العالم.

من جهة أخرى، تؤكّد الحكومة المغربية التزامها التامّ بتفعيل هذه التوجيهات الملكية على أرض الواقع، من خلال برامج تنموية ملموسة تعطي الأولوية للتشغيل والتعليم والإدماج الاجتماعي، مع مراعاة التوازن الجهوي بين مختلف مناطق المملكة من طنجة إلى الداخلة.

إنّ التجربة المغربية، التي تمزج بين الإصلاح الدستوري، والعدالة الاجتماعية، والانفتاح الاقتصادي، تواصل اليوم مسارها بثبات. فالمملكة تدخل مرحلة جديدة من التحديث الوطني، عنوانها الرئيسي: شباب فاعل في التنمية، ومغرب متجدّد بثوابته. وبينما يستعد المغرب لاستحقاقات انتخابية وتنموية مقبلة، فإنّ الرسالة واضحة: لا مستقبل للمغرب من دون شبابه”. وبهذا النهج، يواصل العرش المغربي قيادة مشروع التحديث والعدالة بروح من الثقة والاتّزان، مؤكّدًا أنّ الاستقرار والإصلاح ليسا نقيضين، بل وجهان لمغربٍ واحدٍ، متجذّر في تاريخه ومتطلّع بثقة نحو المستقبل.

Scroll to Top